الحق في الإجهاض .. أين هو الحق في الحياة ؟


778

إعداد – المصطفى اسعد :

يعتبر الإجهاض من بين المواضيع الشائكة بالمغرب والتي جعلت الملك محمد السادس يتدخل لحسم الجدل الذي أثارته الدعوة إلى تقنين عملية الإجهاض ، والحيلولة دون انقسام المجتمع، إذ أعطى تعليماته السامية للمسؤولين من أجل صياغة نص قانوني يأخذ بعين الاعتبار الدين الإسلامي والواقع الراهن للظاهرة المستفحلة ، وبإشراك جل المتدخلين والمختصين بالمجال ، جريدتكم “السياسي الحر “ستعالج هذا الموضوع من زوايا مختلفة .

أرقام متناثرة.. وقوانين متجاوزة

تشير إحصائيات لمنظمات غير حكومية أن عدد عمليات الإجهاض السري، أو غير القانوني التي تجرى في المغرب، تتراوح ما بين 600 و800 حالة يوميا، فيما تشكل مضاعفات الإجهاض نسبة 4.2 في المائة من مجموع وفيات الأمهات.

هده الأرقام يؤكدها الناشط الدكتور شفيق الشرايبي الذي يرجع له الفضل في رفع “الطابو” عن هذا الموضوع ، وهو طبيب مختص في التوليد وأمراض النساء، ورئيس الجمعية المغربية لمكافحة الاجهاض السري، الذي عرف بنضاله من أجل التقنين منذ سنوات.

ومن جانب آخر دعا متدخلون في ندوة علمية نظمتها مجلة البحوث الفقهية والقانونية والجمعية المغربية للدفاع عن الحق في الحياة، إلى فتح تحقيق قضائي في الإحصائيات التي يقدمها الدكتور شفيق الشرايبي، رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري.

الدكتور أحمد الريسوني وفي تعقيبه على مداخلات الحضور بالندوة؛ قال “الجميع يسأل عن صحة هذه الأرقام ومصدرها وخاصة الباحثين والدارسين والمختصين ولا يجدون لها أي سند حقيقي، ولكن بما أن أصحابها يكررونها باستمرار ربما عندهم شبكة للإجهاض السري تضم أطباء وممرضين وسماسرة لذلك يعرفون عدد الإجهاض الغير القانوني الذي يرتكب”.


وجدير بالذكر أن القانون المغربي يجرم الإجهاض، ويعاقب بالسجن من سنة إلى 5 سنوات كل من قام بهذه العملية من الأطباء وغيرهم، ويشدد العقوبة في حال وفاة الحامل، لتصل إلى السجن من 10 إلى 20 سنة، كما يعاقب بالسجن من 6 أشهر إلى سنتين وأداء غرامة مالية كل امرأة أجهضت نفسها عمدا، أو حاولت ذلك، أو قبلت أن يجهضها غيرها. بيد أن القانون أباح إجهاض الأم في حال وجود خطر على صحتها، لكن مع ضرورة الحصول على إذن الزوج.

صراعات المؤيدين والمعارضين

يتواصل النقاش العمومي الذي احتدم بالمغرب علي مدى الأسابيع الأخيرة حول تقنين الإجهاض من عدمه وفتحت جبهات منها من يؤيد الأمر ومنها من يعارضه ولكل من التياران تبريراته ودوافعه .

فبالنسبة للأطروحة المدافعة عن ضرورة تقنين الإجهاض يرى د. الشرايبي إنّ عدمَ تقنين الإجهاض يجعل صحّة النساء اللواتي يلجأن إليه “في خطر، و أنّ نسبة وفيات الأمهات في البلديْن الإفريقيين اللذين يُبيحان الإجهاض (تونس وجنوب إفريقيا)، تقلّ عن نظيرتها في البلدان التي تحرّمه.
وأوضح البروفيسور، أن نصف أطباء المغرب يجب أن يعتقلوا لأنهم يجرون عمليات إجهاض بشكل سري. وأضاف قائلا “إذا أردنا تطبيق القانون، يجب أن يعتقل نصف الأطباء المغاربة“.

وفي نفس السياق أكدت عدة ناشطات بالمجتمع المدني النسوي المغربي أن تجريم الإجهاض شكل من أشكال الميز ضد المرأة واعتداء على حقها في صيانة حرمة جسدها مطالبات بتعديل القانون الجنائي  المغربي في هذا الاتجاه.

وسياسيا تدخل على الخط، ادريس لشكر الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي، الذي دعا إلى مراجعة مقتضيات القانون الجنائي حول الإجهاض السري، في أفق إرساء “تشريع عقلاني في معالجة موضوع الإجهاض السري، وعدم الانصياع وراء الخطاب المحافظ الجاف، القائم على الاجترار السطحي للمرجعية الإسلامية، في اختلاف تام مع الاجتهادات الرائدة لفقهائنا وعلمائنا المتنورين في ميادين ومجالات مختلفة“. ، و طالب لشكر بالخروج من عباءة “الوصايا الثقافية والمزايدات السياسية التي لا فائدة منها” محذرا من عواقب الاستمرار في ممارسة الإجهاض السري الذي يودي بـ 44 ألف امرأة سنويا في مختلف أنحاء العالم، حسب منظمة الصحة العالمية، بينما يعرف المغرب إجراء أكثر من 800 حالة إجهاض سري يوميا، حسب بعض الإحصائيات غير الرسمية

وبالجهة المعارضة لتقنين الإجهاض ، نشر العلامة والمفكر أحمد الريسوني ، مقالا على صفحته على الفيسبوك بعنوان بالغ الدلالة: “الإجهاضيون الجنسانيون.. إلى أين هم ذاهبون؟” ينتقد فيه دعاة الإجهاض و”جهادييه” من منطلق أنه “لا يشكل الإجهاض عندهم إلا حلقة ومحطة من مسلسل طويل عريض، ضمن رؤية تستهدف تحرير الإنسان وطاقاته الجنسية من سلطان الدين؛ أي الوصول في النهاية إلى إنسان بلا دين، وممارسة جنسية بلا حدود ولا قيود“.

وأضاف الريسوني :”إذا “نجحوا” كليا أو جزئيا في معركتهم ضد الفصل 449، فسيحَوِّلون نيرانهم صوبَ عدو أكبر منه، سبق لهم معه عدة مناوشات، وأصدروا في حقه عدة تهديدات. وهو الفصل 490 الذي ينص على أن “كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تُكَوِّن جريمةَ الفساد، ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة”. فهذا الفصل المتطرف لا معنى له ولا مكان له في منظومتهم الحقوقية الحداثية. بعد ذلك مباشرة سيأتي الدور وتدور الدائرة على شقيقه وجاره الفصل 489 الذي ينص على أنْ “يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات من ارتكب فعلا من أفعال الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه · فإذا ارتفع المنع والتجريم عن الشذوذ الجنسي، فستتبعه تلقائيا المطالبة بتقنين زواج المثليين والاعترافِ بالأسرة المثلية وحقوقها كاملة. وقد تأتي لاحقا المطالبةُ بتطبيق مبدأ المناصفة بين الصنفين من الأُسر، لتكون عندنا أُسَرٌ مثليةٌ مساويةُ العدد للأسر التقليدية. فلسفة الإجهاضيين الجنسانيين التي يعلنونها دوما هي: أن كل علاقة جنسية رضائية فهي مشروعة، ولا ينبغي لأحد أن يعكرها أو يضيق عليها، لأن كل واحد حر التصرف في جسده. فلذلك أيضا يُتوقع أنهم سيُغِيرون حتما – ذات يوم – على الفصل 491 الذي يـجرم الخيانة الزوجية. ففلسفتهم تقتضي أن الخيانة الزوجية حق للزوج والزوجة معا، وتدخل في نطاق التعدد المباح، ما دامت تتم بالرضى وليس بالإكراه · فإذا “نجحوا” في المعارك السابقة، ولو باختراقات هنا وهناك، سيكون من المنطقي ومن الضروري السعي إلى الإجهاز على ما تبقى من مظاهر الكبت ومن آثار السلطة الدينية. وهنا ستأتي المطالبات والنضالات من أجل الحذف أو التعديل للفصول التي تتعلق بالدعارة والبغاء، وهي الفصول من 497 إلى 504 من القانون الجنائي”.

وفي نفس السياق يذهب الدكتور مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي المحلي بمدينة وجدة، الذي يرى أن تقنين الإجهاض في المغرب قد يؤدي إلى تزايده في البلاد ، وأن الدين لا يريد إحراج المرأة بقتل الأطفال، مستدلا بالآية التي تتحدث عن بيعة النساء للرسول صلى الله عليه وسلم والتي تتضمن عبارة “لا يقتلن أولادهن”، والتي تشير إلى الإجهاض.

 

 

الحق في الحياة قبل الحق في الإجهاض

الحق في الحياة هو أحد الحقوق الأساسية للإنسان وقد كرسته الشرعة الدولية في وثائق أممية وهي: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية و البرتوكول الاختياري الثاني الملحق به.

ويعتبر الإجهاض من أبرز مظاهر الاعتداء على الحياة ومن أكبر التهديدات التي تواجهه ،قال تعالى:وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) “.

وتتعدد الجوانب التي تعتبر الاجهاض مسا بالحق في الحياة بحيث يرى البعض أنه من الناحية الحقوقية والإنسانية «فبأي حق يقوم الطبيب بقتل الجنين لحل مشاكل اجتماعية» مؤكدين أن حل المشاكل الاجتماعية التي يحتج بها من قبيل زنا المحارم والأمهات العازبات والأطفال المتخلى عنهم وخادمات البيوت، ينبغي أن يتم بعيدا عن قتل الجنين والمجتمع هو الذي عليه أن يحل هذه المشاكل وليس الطبيب ويضيفون ” أية دناءة وصلتها البشرية التي تعتدي على أضعف كائن في الوجود وهو الجنين من أجل حل مشكل اجتماعي ” .

ومن الناحية السوسيولوجية تعتبر وجهة النظر هاته ” أن حالات الاغتصاب وزنا المحارم التي يستعملها الداعون إلى تقنين الإجهاض من أجل شرعنته لا تمثل سوى 0.5 أو 1 بالمائة من حالات الإجهاض، مشيرة إلى أن هذه الحالات يؤطرها القانون الجنائي وليس الطبيب الذي لا يمكنه أن يقوم بالإجهاض إلا بإذن من السلطات القضائية المخولة. وتعتبر أن استغلال هذه الحالات ليس سوى مدخل لشرعنة ما نسبته 99 % والتي تقوم بالإجهاض دون موجب شرعي” .

أما على المستوى الشرعي فالرؤية المعرفية الإسلامية للحياة والوجود والإنسان تعطي قيمة وجودية وكونية للكائن البشري منذ نفخ الروح فيه أي منذ اللحظة التي يكتسب فيها الجنين صفة الإنسان ويرتب له الشرع حقوقا لصيقة بإنسانيته وأول هذه الحقوق هو حقه في الحياة الذي لا يكتمل إلا بما يجب على الأم وعلى المجتمع برمته أن يوفروه من شروط صحية واجتماعية وأسرية لضمان ولادة طبيعية ونمو سليم لهذه الحياة الجديدة .

ويبقى البحث عن التوافق حول مسألة ذات حساسية قصوى اجتماعيا وثقافيا أمر محمود، لكن الطريق إليه لن تكون مفروشة بالورود خصوصا عندما يتعارض الحق في الإجهاض بالحق في الحياة .

 


issaad

About issaad

المصطفى اسعد من مواليد مدينة سيدي بنور في 08 يناير 1983 ،رئيس المركز المغاربي للإعلام والديمقراطية إعلامي ومدون مغربي ، خبير في شؤون الإعلام المجتمعي وثقافة الأنترنت وتكنولوجيا المعلومات وأمين مال نقابة الصحافيين المغاربة . حاصل على البكالوريوس بالعلوم القانونية من جامعة القاضي عياض بمراكش والعديد من الدبلومات التخصصية الدولية والوطنية بالإعلام والصحافة . مدرب مختص في الصحافة الالكترونية ،إستراتيجيات المناصرة ، التواصل ، ،الديمقراطية وحقوق الإنسان . هذه المدونة تسعى الى ترسيخ قيم الديمقراطية والتعايش وتخليق الحياة العامة ، بالمغرب العربي وتحلم بالعيش ببلد أكثر عدالة، وأمناً، وإستقلالية.

Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *